الأمة الإسلامية لها طابعها الخاص وسلوكها المميز ، وليست لفيفاً من الناس جمعته ضرورات العيش ، ومغارم الحياة ، ومغانمها.
والإسلامالذي عرفت به تسمية قديمة ، لها دلالتها المقصودة .. إنها تسمية جرت علىلسان أبي الأنبياء إبراهيم ، قبلها الله جل شأنه ، ونزل بها الوحي الأعلى..
(ملة أبيكم إبراهيم ، هو سماكم المسلمين من قبل)والواقع أن إبراهيم لما اقترح هذا الاسم لم يبتدعه ابتداعاً ، وإنما أرادأن يثبت به حقيقة قديمة عريقة في القدم ، هي فطرة الله التي فطر الناسعلها ، والتي دعا النبيون من قبله إليها ..
(فإن توليتم فما سألتكم من أجر إن أجري إلا على الله وأُمرت أن أكون من المسلين)وكأن إعجابه بإصرار نوح على الحق ، وتشبثه بعنوانه الفذ ، هما السبب في أن يجعل اسم الأمة التي يريدها (المسلمين) ، حتى يخلد في المستقبل ما أكده نوح في الماضي ..
وبذلكتكون هذه الأمة وريثة للأنبياء كلهم وممثلة لتعاليمهم جميعاً .. في الأزلوفي الأبد لن تتغير طبيعة العلاقة بين العالم وربه .. في القديم والحديثلن تتبدل الصلة بين الناس وبارئهم العظيم.
إنها الإسلام .. إنها هذا الشعار وما يتضمنه من إخلاص وانقياد (إن الدين عند الله الإسلام).
ولطالما أكدنا أن هذا العنوان جديد قديم ..
والمسلمون مكلفون بأمرين:
· تبليغ الحقائق الأولى.
· وحماية هذه الحقائق من التحريف والتشويه.
... إنالثوب الذي كساه المرسلون هذه الإنسانية هو هو لم يتغير على مر العصور ..كل ما هنالك أنه قد يتسخ ، فيجب أن يزال ما علق به من درن ، أو يتمزق فيجبنسج ما عراه من وهن ..!!
وللزمن فعله في الإساءة إلى المبادئ ، والميل بها تارة إلى يمين ، وتارة إلى يسار ...!!
وقد جاء قبل محمد صلى الله عليه وسلم نبيون كثيرون جاهدوا كي يبقى الحق ناصعاً ، وتبقى طريقه قويمة.
بيد أن التزوير تطرق إلى الحق وطريقه ..
فإذا ناس يجعلون الشرك إيماناً ، والمنكر معروفاً ....
وإذا آخرون يقسون على أنفسهم ويتقربون إلى الله بتعذيب أبدانهم وأرواحهم وحرمانها من حق الحياة الطيبة.فكيف لا يحتاج الناس وتلك حالتهم إلى رجل (يأمرهم بالمعروف ، وينهاهم عن المنكر ، ويحل لهم الطيبات ، ويحرّم عليهم الخبائث ، ويضع عنهم إصرهم والأغلال التي كانت عليهم).
أي: إلى رجل يكشف معالم الطريق بعد أن طمرتها رياح الزمن ، وجر عليها النسيان أو الطغيان ذيوله ..
إننانحن المسلمين لم نحزن يوماً ولن نحزن أبداً لأن اليهود تبعوا موسى أو لأنالنصارى تبعوا عيسى ، ولو خامرنا هذا الشعور لكنا خائنين لربنا ورسولنا ..!!
ولكناحزنا لأن كثيراً من اليهود والنصارى تخلوا عن رسالة الله التي حملها موسىوعيسى ، ورفضوا أن يصلحوا أنفسهم وأن يصلحوا العالم .. وكان طبيعياً بعدهذا التخلي ألا يدع الله الأرض فوضى في كفالة قوم أبَوْا المضي مع هداياتالله التي أنزلها عليهم ...
فكان الإسلام ، وكانت أمته الباقية على اختلاف الليل والنهار ..!!
والشارةالتي انفردت بها هذه الأمة ، والتي لا تستحق إكرام الله إلا بها هي تبليغحقائق هذا الدين ، والحفاظ على حدود الله وحرماته ، وبقاء المعروف معروفاًيدعى إليه ، والمنكر منكراً ينهى عنه ..
... هذه الشارة التي تجعل منزلة الأمة من سواد الناس كمنزلة رسولها منها.
فكماأن الرسول صلى الله عليه وسلم شرح الحق شرحاً مستفيضاً ثم قال: (اللهم قدبلغت ، اللهم فاشهد) كذلك يجب ان تفعل أمته ، فتشرح الحق ، وتعيش به وله ،وتشتهر في الأرض باسمه وموضوعه.
إن الجماعة الإسلامية ذات رسالة وهدف ، وهذا معنى قول الله تعالى: (وجاهدوافي الله حق جهاده ، هو اجتباكم وما جعل عليكم في الدين من حرج ، ملة أبيكمإبراهيم ، هو سماكم المسلمين من قبل ، وفي هذا ليكون الرسول شهيداً عليكوتكونوا شهداء على الناس).
وقد تكرر هذا المعنى من قبل (وكذلك جعلناكم أمة وسطاً لتكونوا شهداء على الناس).
الشهادة على الناس: هي القيام على أمانات الدين وإبلاغ عقائده ، وعباداته ، وأخلاقه ومعاملاته.
لقد قامت في الحياة دول غريبة عن رسالات النبيين.
وفي هذا العصر تقوم دول ، بعضها يحارب الله علنا ، والآخر ينتسب إليه ظاهراً ويخاصمه باطناً.
لكنالأمة الإسلامية مكلفة أن تجعل شرفها من الانتساب إلى الله ظاهراً وباطناً، من إحياء شرائعه كلها إذا أماتها الناس أو أماتوا شيئاً منها ، وقد شرحمحمد صلى الله عليه وسلم رسالة أمته في العالم ، ووظيفتها في تبليغ الحقوحمايته ، وسر استخلافها في الأرض بعد ما خانته أمم أخرى: عن أبي موسى رضيالله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
(مثل المسلمين واليهود والنصارى كمثل رجل استأجر قوماً يعملون له عملاً إلى الليل ، على أجر معلوم .. فعملوا إلى نصف النهار ، فقالوا: لا حاجة لنا إلى أجرك الذي شرطت لنا ، وما عملنا باطل.
فقاللهم: لا تفعلوا ، أكملوا بقية عملكم وخذوا أجركم كاملاً ، فأبوا وتركوا... ، واستأجر آخرين بعدهم ، فقال: أكملوا بقية يومكم هذا ولكم الذي شرطتلهم من الأجر ، فعملوا حتى إذا كان حين صلاة العصر ، قالوا: ما عملنا باطلولك الأجر الذي جعلت لنا فيه ، فقال لهم: أكملوا بقية عملكم ، فإنما بقيمن النهار شيء يسير فأبوا ...
فاستأجرقوماً يعملون بقية يومهم ، فعملوا بقية يومهم حتى غابت الشمس فاستكملواأجر الفريقين كليهما ، فذلك مثلهم ومثل ما قبلوا من هذا النور).
تدبر الجملة الأخيرة (ما قبلوا من هذا النور) ، إنها تشرح حالتهم كلها لقد أوتيَ اليهود كتابهم ليعملوا به ، وليحكموا بين الناس بما فيه من حق (إنا أنزلنا التوراة فيها هدى ونور ، يحكم بها النبيون الذين أسلموا للذين هادوا).
وأوتي النصارى كتابهم كذلك ليعملوا به ، وليجمعوا من قبلهم ومن معهم عليه: (وقفينا على آثارهم بعيسى ابن مريم مصدقاً لما بين يديه من التوراة وآتيناه الإنجيل فيه هدى ونور).لكنهذا النور الهادي ما كاد يشتعل بين أيديهم حتى انطفأ ، فما وفّى أصحابموسى ولا أصحاب عيسى بعهودهم ، ولا استقاموا طويلاً مع رسالتهم.
والأممتتنكر لرسالاتها حين تدع الهوى يغلب الهدى ، والباطل يهزم الحق ، فتبقىكتبها معها ولكن معطلة مثل مواثيق الأمم المتحدة التي صيغت بدقة وعصيتبإصرار!
وقديبلغ التنكر أن يتطرق الباطل إلى النصوص نفسها بالتحريف والمسخ ، وهناالطامة .. فإن معناه كسر المصابيح وذهاب أشعتها ، وسيادة الظلام